طيش، اندفاع، ورغبة في التغيير دون تحكيم للعقل، تلك باختصار كانت حياة ابن مدينة خريبكة اسماعيل حمادو، شاب قرر مغادرة فصول الدراسة والهجرة عبر قوارب الموت إلى اسبانيا عن عمر لم يتجاوز 13 سنة، قرار كان يعتقد أنه الأصح خاصة أن أقرانه بالمنطقة كانوا يشاطرونه نفس الرأي، لكن سرعان ما اكتشف أن قراءته للحاضر والمستقبل كانت خاطئة.
اسماعيل قرر أن يواجه الحياة وعوده لم يشتد بعد، في لحظة غاب فيها النضج وتوجيه العائلة، وحضر فيها الاندفاع والانسياق نحو الأحلام، فكاد أن يدفع حياته ثمنا لذلك، لكنه لم يكن ليسمح لنفسه أن تدفع ثمن الخطأ مرتين، حيث استطاع أن يعيد قطار حياته إلى مساره الصحيح.
من قرية ثلاثاء بني زرنتل التابع لدائرة ابي الجعد بخريبكة كانت البداية، حيث ولد اسماعيل سنة 1991 بأسرة تتكون من أبوين و7 ابناء اثنين من هم إناث والباقي ذكور، وهناك عاش طفولته إلى أن بلغ عمر 13 سنة متخذا أخاه الأكبر – المقيم بديار المهجر- كقدوة “كان أخي الأكبر الذي هاجر بطريقة غير قانونية إلى أوروبا بمثابة قدوة لي” يحكي اسماعيل في تصريح لموقع القناة الثانية، مضيفا “بالتالي كان حلم الهجرة إلى أوروبا دائما يراودني”.
وفي إطار سعيه إلى تحقيق حلم الهجرة قرر اسماعيل توقيف مساره الدراسي بعد أن كان يدرس في السنة الثانية إعدادي، رغم أنه كان من الأوائل في قسمه ” أبي خيرني بين الدراسة أو الهجرة، لكنني كنت مصرا آنذاك على قراري” يحكي اسماعيل، مضيفا “مما شجعني في المضي على ذلك هو أن جميع أقراني في المنطقة كان لديهم نفس التفكير كما أنني لم أكن واعيا بأهمية الدراسة”.
مسار الهجرة إلى الالدورادو يبدأ بخطوة، والخطوة الأولى كانت في اتجاه مدينة الحسيمة، حيث سيقوم اسماعيل بلقاء الشخص المكلف بمهمة التهجير مقابل 15 ألف درهم، لكن بحكم أن هذا الأخير يعرف عائلة اسماعيل فقد حصل على تسعيرة مخفضة بلغت7 آلاف درهم “كان عددنا ما يقارب 50 مهاجرا نحو الديار الإسبانية، لكنه قبل موعد السفر اخبرونا أن نضل معتكفين لمدة 20 يوما بالقرب من شاطئ تمسمان بالحسيمة” يصرح اسماعيل.
“كنت أعتقد أنه بمجرد وصولي إلى اسبانيا ستتغير حياتي إلى الأحسن، لكن سرعان ما اكتشفت أن احلامي كانت مجرد أوهام ستنكر على جدار الواقع”، يحكي اسماعيل، ذلك أنه ليلة السفر إلى اسبانيا قامت عناصر الدرك الملكي بمداهمة شاطئ تمسمان، مما اضطر الجميع إلى الهرب ومواجهة مصيره، بعضهم تعرض لجروح خطيرة، أما اسماعيل فقد كان من القلة التي حالفها الحظ واستطاعت النفاذ بجلدها، حيث ظلوا يسيروا طوال ليلة كاملة إلى أن وصلوا إلى قرية الدريوش.
ظل اسماعيل يتنقل بين العديد من المهن والحرف مقابل ثمن زهيد وذلك لمدة 3 سنوات، إلى أن قررت الحياة ان تبتسم له من جديد ” كنت في عزاء أحد أعمامي بمدينة القنيطرة، وهناك التقيت بأحد أفراد عائلتي الذي نصحني بالعودة إلى متابعة دراستي”، نصيحة سرعان ما وجدت صداها بداخل اسماعيل، حيث شرع في السؤال عن اجراءات العودة إلى مقاعد الدراسة.
قرار عودة اسماعيل إلى الدراسة لم يكن بالقرار السهل، ذلك أنه مدير اعدادية مدينته رفضه التحاقه بحكم سنه الكبير، لكنه بعد أن اطلع على ملفه الدراسي ووقوفه على معدلاته الممتازة آنذاك، قرر أن يعطيه فرصة ثانية لكن شريطة أن يكون من العشرة الأوائل.
استطاع اسماعيل أن يلتزم بشرط المدير، وأن يكون عند حسن ضنه بفضل حماسه الكبير ورغبته في النجاح بأي ثمن، حيث حصل على شهادة الباكالوريا في العلوم التقنية، بمعدل جيد خوله الحصول على منحة للدراسة بإحدى الجامعات الخاصة في المغرب، تخصص علم الطيران، ليكون بذلك نموذجا للشاب الذي اكسبه الفشل قوة وعزيمة كبيرتين للنجاح في الحياة، وجعل من نهايته بداية لمسار جديد.